فصل: استيلاء السلطان على حلب.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خبر الوزارة.

لما عزل الخليفة المقتدي عميد الدولة عن الوزارة سنة ست وسبعين رتب في الديوان أبا الفتح المظفر بن رئيس الرؤساء ثم استوزر أبا شجاع محمد بن الحسين فلم يزل في الوزارة إلى سنة أربع وثمانين فتعرض لأبي سعد بن سمحاء اليهودي كان وكيلا للسلطان ونظام الملك وسار كوهرابين الشحنة إلى السلطان بأصبهان فمضى اليهودي في ركابه وسمع المقتدي بذلك فخرج توقيعه بإلزام أهل الذمة بالغيار فأسلم بعضهم وهرب بعضهم وكان ممن أسلم أبو سعد العلاء بن الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب وقرابته ولما وصل كوهرابين وأبو سعد إلى السلطان وعظمت سعايتهما في الوزير أبي شجاع فكتب السلطان ونظام الملك إلى المقتدي في عزله فعزله وأمره بلزوم بيته وولى مكانه أبا سعد بن موصلايا الكاتب وبعث المقتدي إليهما في عميد الدولة بن جهير فبعثا به إليه واستوزره سنة أربع وثمانين وركب إليه نظام الدولة فهنأه بالوزارة في بيته وتوفي الوزير أبو شجاع سنة ثمان وثمانين.

.استيلاء السلطان على حلب.

قد ذكرنا من قبل استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب وخطبة صاحبها محمود ابن صالح بن مرداس على منابره باسمه سنة ثلاث وستين ثم عاد بعد ذلك إلى طاعة العلوية بمصر ثم انتقضت دولة بني مرداس بها وعادت رياستها شورى في مشيختها وطاعتهم لمسلم بن قريش صاحب الموصل وكبيرهم ابن الحثيثي واستقر ملك سليمان بن قطلمش ببلاد الروم وملك أنطاكية سنة سبع وسبعين وتنازع مع مشرف الدولة ابن قريش ملك حلب وتزاحفا فقتل سليمان بن قطلمش مسلم بن قريش سنة تسع وسبعين وكتب إلى أهل حلب يستدعيهم إلى طاعته فاستمهلوه إلى أن يكاتبوا السلطان ملك شاه فإن الكل كانوا في طاعته وكتبوا إلى تتش أخي السلطان وهو بدمشق أن يملكوه فسار إليهم ومعه أرتق بن أكسب كان قد لحق به عندما جاء السلطان إلى الموصل وفتحها خشية مما فعله في خلاص مسلم بن قريش من حصار آمد فأقطعه تتش بيت المقدس فلما جاء تتش إلى حلب وحاصر القلعة وبها سالم بن مالك بن بدران ابن عم مشرف الدولة مسلم بن قريش وكان ابن الحثيثي وأهل حلب قد كاتبوا السلطان ملك شاه أن يسلموا إليه البلد فسار من أصبهان في جمادى سنة تسع وستين ومر بالموصل ثم بحران فتسلمها وأقطعها محمد بن مسلم بن قريش ثم بالرها فملكها من يد الروم ثم بقلعة جعفر فحاصرها وملكها من يد بعض بني قشير ثم بمنبج فملكها ثم عبر الفرات إلى حلب فأجفل أخوه تتش إلى البرية ومعه أرتق ثم عاد إلى دمشق وكان سالم بن مالك ممتنعا بالقلعة فاستنزله منها وأقطعه قلعة جعبر فلم تزل بيده ويد بنيه حتى ملكها منهم نور الدين العادل وبعث إلى السلطان بالطاعة على شيراز وولى السلطان على حلب قسيم الدولة صاحب شيراز نصر بن علي بن منقذ الكناني وسلم إليه اللاذقية وكفرطاب وفامية فأقر شيراز وولى السلطان على حلب قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين العادل ورحل إلى العراق وطلب أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فحمله معه وأنزله بديار بكر فتوفي فيها بحلل أملاق ودخل السلطان بغداد في ذي الحجة من سنة تسع وسبعين وأهدى إلى المقتدي وخلع عليه الخليفة وقد جلس له في مجلس حفل ونظام الملك قائم يقدم أمراء السلطان واحدا بعد واحد آخر للسلام للخليفة ويعرف بأسمائهم وأنسابهم ومراتبهم ثم فوض الخليفة المقتدي إلى السلطان أمور الدولة وقبل يده وانصرف ودخل نظام الملك إلى مدرسته فجلس في خزانة الكتب وأسمع جزء حديث وأملى آخر وأقام السلطان ببغداد شهرا ورحل في صفر من سنة ثمانين إلى أصبهان وجاء إلى بغداد مرة أخرى في رمضان من سنة أربع وثمانين ونزل بدار الملك وقدم عليه أخوه تاج الدولة تتش وقسيم الدولة أقسنقر من حلب وغيرهما من أمراء النواحي وعمل ليلة الميعاد من سنة خمس وثمانين ولم ير أهل بغداد مثله وأخذ الأمراء في بناء الدور ببغداد لسكناهم عند قدومهم فلم تمهلهم الأيام لذلك.

.فتنة بغداد.

كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدء الخليفة فيما علمناه واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها وأعيا على الحكام أمرهم وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم فلم يحسم ذلك من عللهم شيئا وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام وتكرر ذلك منذ حجر الخلفاء ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلك منها لسكنى أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبعدهم عن بغداد والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم وإنما تكون ببغداد شحنة تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة ولم يحصل من ملوكهم إهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم يقلع عنها إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام.